قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

ذكرى المأساة .. العِبْرَة والعَبْرَة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *ثامر عبد الجليل
يرى أكثر المسلمين وبالخصوص أصحاب الضمائر الحية إن العنف والجبروت والبطش والإرهاب شكلت القواعد الرئيسة التي قامت عليها الدولة الأموية، فلقد تنكرت لجميع الحقوق والقيم الإنسانية لهدف عبر عنه مؤسسها بقوله: (لأتأمر عليكم)!
من هنا فلا غرابة في قول البعض عن أن في دولة بني أمية ضج الناس من الظلم والجور والاستبداد حتى أنه لم تبق حاضرة من الحواضر الإسلامية إلا وعمها الخوف وشملتها سياسة الإرهاب، والأساس في ذلك قادتها وسائسوها حيث أنهم - كما يقول صاحب تفسير البيان-: فرقة بطشهم بطش الجبارين يأخذون بالظنة ويقضون بالهوى ويقتلون على غضب.
لذا تكون الصور المأساوية الناتجة عن هذه الدولة والتي يحدثنا التاريخ عنها، أمراً طبيعياً، سواء تلك الخاصة بفاجعة الطف أو المرتبطة بتاريخ هذه الدولة مع عموم الأمة.
ولعل من الخير بيان هذه الصور وتكرارها في كل عام وفي كل مناسبة لا بهدف استدرار الدموع من الأعين أو إثارة الحزن والأسى في القلوب، لأن هذا وإن كان مطلوبا إلا أنه وحده قاصر عن الهدف المطلوب من ذكر المأساة وتكرارها المستديم.
ولعل الهدف من ذلك يتلخص في أمور:
1- رسالة إعلامية وسياسية تظهر الاستنكار والشجب لكل الممارسات الاجرامية الصادرة من الظالمين.
2- العمل الواعي لمنع تكرار هذه المآسي من خلال مقاومة أسبابها.
3- الحزن والتأثر القلبي وما يصحبه من انفعالات عاطفية كالبكاء لتركيز حالة النفور عن كل ما يمت بصلة لأسباب المأساة.
ولا تنحصر المآسي التي صبت على الأمة الإسلامية أيام بني أمية في واقعة الطف لكنها الأشد وطئا، وذلك لأنها تركزت على سبط النبي وأهل بيته والصفوة الخالصة من المؤمنين، ولأنها جمعت جميع أشكال وصنوف المآسي فابتداء بقتل الرجال والنساء والأطفال، و مرورا بالتمثيل بالجثث، وانتهاء بحرق الخيام وسبي بنات الرسالة والسير بهن في البلدان للفرجة.
إن فصول هذه المأساة جمعت كل الألوان وضمت إلى جنباتها مختلف فنون محترفي الظلم والطغيان.. وإليك بعض النماذج:
*التمثيل..
جاء في الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور)، وذلك مبالغة منه (صلى الله عليه وآله) في النهي عن التمثيل، أما بنو أمية فقد قاموا أولا بسلب ما على جثمان الإمام الحسين (عليه السلام) من لامة حرب أو ثياب حتى أن أحدهم فتش عن مغنم فلم يجد سوى خاتما في إصبع الإمام (عليه السلام) فحاول أن ينتزعه فلم يستطع لأن الدم والتراب قد بنى عليه فعمد إلى قطع إصبع الإمام (عليه السلام) وأخذه!
وبعدها نادى ابن سعد من يندب للحسين فيوطئ بالخيل صدره وظهره فبادر الشمر فوطأ الجثمان المقدس بفرسه وتبعه عشرة على قول (صاحب المناقب) حتى ألصقوا الجثمان بالأرض وحينها قام أحدهم أمام ابن سعد يقول:
نحن رضضنا الظهر بعد الصدر بكل يعبوب شديد الأسر!
*حرق الخيام..
بعد استشهاد الإمام (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، هجم العسكر على خيام النسوة حاملين معهم أقبسة من النار لحرقها غير آبهين بمن فيها وبمن تضم من أطفال رضع ونساء ثكلى.
قال الإمام علي بن الحسين مصورا هذه الحالة: والله ما نظرت إلى عماتي وأخواتي إلا وخنقتني العبرة وتذكرت فرارهن من خيمة إلى خيمة ومن خباء إلى خباء ومنادي القوم ينادي: احرقوا بيوت الظالمين!!
ولم يكتف القوم بذلك بل قاموا بسلب النساء والأطفال فسلبوا ما عليهن من حلي وحلل ونهبوا ما في الخيام من ثقل ومتاع.
وينقل المؤرخون أن أحد الجنود أسرع نحو السيدة فاطمة بنت الحسين فانتزع حلياً منها وهو يجهش بالبكاء فبهرت منه فاطمة وقالت له: مالك تبكي؟! فأجاب كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله. فقالت له: إن كنت تعرفني فلماذا تسلبني إذن؟! فقال: أخاف أن يأخذه غيري!!
*سبي بنات الرسالة..
يقول الصحابي سهل بن سعد: خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار قد علقت عليها الحجب والديباج والناس فرحون مستبشرون وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول، فقلت في نفسي: إن لأهل الشام عيدا لا نعرفه! فرأيت قوما يتحدثون فقلت لهم: ألكم بالشام عيد لا نعرفه؟
- نراك يا شيخ غريبا.
- أنا سهل بن سعد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
- ما أعجبك أن السماء لا تمطر دما والأرض لا تنخسف بأهلها؟!
- ولماذا ؟
- هذا رأس الحسين يهدى من أرض العراق!!
- واعجبا يهدى رأس الحسين والناس يفرحون! من أي باب يدخل؟
فأشاروا إلى باب الساعات، فأسرع سهل إليه وبينما هو واقف وإذا بالرايات يتبع بعضها بعضا وإذا بفارس بيده لواء منزوع السنان وعليه رأس الحسين وخلفه السبايا محمولة على جمال بغير وطاء.
فبادر سهل إلى إحدى النسوة فسألها: من أنت؟
- أنا سكينة بنت الحسين.
- ألك حاجة؟ فأنا سهل بن سعد صاحب جدك رسول الله؟
- قل لحامل هذا الرأس أن يقدمه أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه ولا ينظرون إلى حرم رسول الله!
فأسرع سهل إلى حامل الرأس فأعطاه أربعمائة درهم فباعد الرأس الشريف عن النساء.
إن هذا غيض من فيض وقطرة من بحر من المآسي والجرائم الأموية في واقعة الطف، وبعد هذا ألا يحق لنا أن نبكي ونذرف بدل الدموع دما؟! وألا يجب علينا أن نعتبر من هذا الماضي الأليم ونعالج الأسباب بالالتصاق بمنهج الحسين ومقاومة الظلم ودحر الظالمين؟ ما أشبه اليوم بالبارحة حقاً.