قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

المجالس الحسينية و نقل التراث الى الاجيال
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / حسين محمد علي
إقامة المآتم على مصاب سيّد الشهداء خلال شهري محرّم وصفر، تُعد من الشعائر الحسينية المؤكدة من قبل أئمتنا المعصومين. وكانوا عليهم السلام ومن بعدهم علماء الدين يشجّعون ويحثّون الناس على إقامة هذه الشعائر لمّا تنطوي عليه من تكريس للثقافة الحسينية، وتخليداً لتلك الملحمة البطولية، وكانوا عليهم السلام يقيمون مثل هذه المجالس بأنفسهم. لأن العزاء بما فيه من البكاء والإبكاء وإقامة مجالس الذكر وقراءة القصائد والمراثي والإبكاء، يمثل في الحقيقة إحياءً لنهج الأئمة وتبياناً لمظلوميتهم. قال الإمام الباقر عليه السلام بشأن إقامة مجالس العزاء في البيوت: (... ثم ليندب الحسين ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه ويقيم عليه في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً في البيوت وليعزِّ بعضهم بعضاً بمصاب الحسين) (تاريخ النياحة على الإمام الشهيد للسيّد صالح الشهرستاني).
لقد تحولت سنّة مجالس العزاء بما تنطوي عليه من محبّة و ولاء للإمام الحسين عليه السلام، إلى ممارسة شعبية واسعة النطاق، فأخذت مديات اجتماعية واسعة، فهنالك مجالس حسينية للشباب والنساء والرجال وحتى للصغار. ولم تقتصر هذه المجالس على المدن المقدسة القريبة من مراقد أهل البيت عليهم السلام، إنما انتقلت مع هجرة المؤمنين الى البلاد البعيدة، لذا نجد اليوم مجالس العزاء في اليابان كما نسمع بها في انحاء مختلفة من امريكا وفي افريقيا وفي انحاء اوربا بل وحتى في المناطق القريبة من القطب المنجمد الشمالي. وفي أعالي الجبال، وفي كل مكان.
بما ان اقامة المجالس الحسينية ينطوي على نشر الثقافة الحسينية وفي مقدمتها مسألة رفض الظلم والطغيان والانحراف وهي المبادئ التي ضحّى من أجلها الحسين ومن أجلها كانت عاشوراء، فان هذه الشعيرة الحسينية اصطدمت أكثر من مرة في التاريخ مع الانظمة الحاكمة التي كان بعضها يجد في هذه المجالس خطر على حياته السياسية، عكس الانظمة الأخرى التي كانت هي بالأساس موالية لأهل البيت فقد شجعت على هذه المجالس وسائر الشعائر الحسينية كما حصل في عهد الدولة البويهية، وهي أول فسحة لاقاها شيعة أهل البيت عليهم السلام بعد الظلم والاضطهاد الذي واجهوه من قبل العباسيين، فخلال القرن الخامس الهجري ألزم معز الدولة البويهي أهل بغداد باغلاق محالهم التجارية واعلان العطلة الرسمية يوم عاشوراء، وإقامة المأتم على الحسين عليه السلام وأمر بغلق أبواب المطاعم، بل وشجع على الطبخ وتوزيع الطعام على الزائرين، واستمرت هذه الشعائر جارية حتى بداية سلطة الدولة السلوجقية، وبقيت هذه السنّه قائمة في جميع البلدان التي خضعت لسلطانهم إلى أن سقطت دولتهم. (الكشكول للبحراني/ 269:1).
في المآتم الحسينية تتّخذ العاطفة والحماسة شكل المعرفة والشعور، فيبقى الإيمان حياً في قلوب الموالين لأهل البيت. وتحافظ مدرسة عاشوراء على مكانتها كونها فكراً بنّاءً وحادثة تستلهم منها الدروس. ثم ان المآتم إحياء لمنهج التضحية والشهادة في سبيل الله، وإيصال صوت مظلومية أهل البيت إلى أسماع الاجيال. ويكون المشاركون في المآتم كأنهم فراشات متعطشة إلى النور وقد عثرت على الشمع فهي تحوم حوله وتقتبس من نوره وضيائه.
وللمآتم الحسينية دور مهم في الحفاظ على ثقافة عاشوراء في نفوس ابناء المجتمع لاسيما الاطفال المعرضين حالياً أكثر من غيرهم بالثقافات الدخيلة والعادات غير الاسلامية والتي لاتمت بصلة بنهج أهل البيت عليهم السلام، لذا فان مشاركة الاطفال في توزيع الطعام والماء والشاي وفي اقامة المجالس الحسينية يعد من الامور المهمة جداً بل هي تعد خدمة جليّة للإمام الحسين الذي ضحى بنفسه وبابنائه واصحابه لإحياء المبادئ والقيم الالهية السامية، وحتى لا يبق مجالاً للانحراف والتسيّب والضلال في حياة الانسان.