قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

ثلاث قصص قصيرة جداً
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة عدنان عباس سلطان
غياب القمر
هو... فكر اثناء سيره الهوينى، بأن اهله حتماً اتصلوا بكل المعارف والاصدقاء للسؤال عنه، وقد يكونون قد ابلغوا مراكز الشرطة عن فقدانه.
ليس في بال احد هناك في بلده، بأنه سيصعد الى الجنة الموعودة في بلاد اخرى، ويحقق الحلم الذي راوده مع الاصدقاء، ممن أتوا معه أو الذين لم يأتوا.
هي... فكرت بأن طفلها الذي تركته في البيت يحتاج الى الماء المقطر كما نصحها الطبيب، فتوقفت وهي تحمل ما تسوقته، أمام بائع الماء لتشتري.
البائع... فكر أنه سيبيع لهذه المرأة كما طلبت، ويقفل الدكان، فزوجته مريضة تحتاج الى دواء آخر لمرضها المزمن.
السوق... بدأ متحفزاً للاغلاق تحت سلطة الوقت.
الشمس... كانت قد أشعل وهجها الاحمر قبل لحظات وغابت في لحافها الداكن.
المؤذن... نطق: إن الله وملائكته يصلون على النبي...
القمر... سيتأخر قليلاً هذه الليلة، فما زال يأخذ شيئاً من العافية هناك.
هو... اقترب من الجميع.. بسمل ثم... كبّر... ثم...
طارت الحمائم والفواخت والعصافير مع عاصفة الموت.
السوق... كان يعرض الفحم... وشيئاً من الدخان.
ظلت الزوجة بلا أدوية...
وظل الاهالي بلا اولاد...
وظل الطفل بلا ماء...
ولم يطلع القمر تلك الليلة.
* * *
هو ذا بيتك
اعياني التجوال، وقصم ظهري الألم اللعين، الذي أيقظته الارصفة، وزحمة الاسواق من اغفاءته المؤقتة. اخترت الجلوس قريباً منها، لأنها تذكرني بمعزوفة قديمة لربيع منتحر. كلما أجيء الى هناك... اجدها مزروعة في الانتظار، وامامها فرشتها المربعة، لحاجيات تبيعها.
احتل جسدي رقعة من المكان، وكدست اشيائي بجانبها، وفي محاولة جسور سألتها:
ـ أليس لك ولد كبير يحمل الاعباء؟
ـ ما زال في المدرسة.
ـ ووالده؟
نظرت بانكسار، وقالت:
ـ لقد ارتدى بزته الترابية وذهب الى مشرق الشمس فادركه الظلام.
قلت بلوعة:
ـ أليس من أخبار عنه؟
قالت بيأس:
ـ لا ليس من أخبار.
ارسلت نفساً من دخان سيجارتي باتجاه الفراغ، تميز للحظات عن الغبار.
في تلك اللحظة غامت سمات المرأة، وانتقلت عدوى الوجوم عميقاً في داخلي. تيقنت بأني وقعت في بؤرة الألم التي اهرب منها.
وعاد شريط ذكرياتي يلاحقني بالفاجعة، واخذ ينبض بالمشاهد القديمة.. عن البيت والزوجة والصغير.. الذي احترنا ماذا نسميه في يوميه الاولين. كذلك الوقت الذي ظننت فيه، بأني ضللت الاهتداء الى البيت.. ربما بسبب فرحتي.. وقفت مع جمهرة من الناس حاملاً ضرورات اشتريتها، تخص الآتي الجديد.
قال لي احدهم:
ـ هو ذا بيتك يا رجل.!
ظل يشير باستغراب، الى اكوام هائلة من الانقاض والحفر العميقة، التي ينز منها الماء.
ارتسمت الدهشة على وجهي، وانا اشم رائحة البارود والطين.
جاءني صوتها واهياً، يشق المسافة الهائلة، وينداح في فراغها الشاسع، ليسحبني من سماء بعيدة، ثم يضعني فوق الرصيف من جديد.
ـ اسم ابني احمد، أنا أم احمد التي ظلمها الزمان.
ثم سمعت نشيجها المكتوم بتلاحق مرير.
ركزت باتجاهها.. وعلى نفس موقعها، الذي فرشت عليه حاجياتها، لكنني ما رأيت شيئاً.. كذلك لم أر الرصيف الذي كانت تجلس عليه.
* * *
اشياء عاطلة
في يوم حزين من تلك الأيام القاحلة، التي تتعاقب بإستمرار، انتابها شوق انبثق من الموقد الهامد منذ اعوام عديدة، لم يكن هدفها من رؤيته مفهوماً لديها، مجرد رغبة لإلقاء النظرة الأخيرة، كانت تنتابها هذه الرغبة في اوقات متباعدة، فتصمد لبعض الوقت ثم تنزوي في مغارة اليأس.
لكنها في تلك اللحظات كانت رغبة عنيدة، مدفوعة بمشاعر الحنين والندم.
اخرجت رسائله القديم، كانت مثل توابيت مصغرة، تحتوي رفات الكلمات في ألوانها الحائلة لكنها اعادتها الى العلبة واغلقت المقبرة.
شعرت أن في قلبها عنواناً محتملاً، فهبت من فورها وسارت مهتدية على تضاريس الذاكرة، وخطواتها تجد في قطع الخطوط المتعرجة.
عندما انتهى الخط الأخير، دخلت عليه فوجدته في حجرة نظيفة، ومؤثثة بأشياء تثير الاندهاش.. ما كانت تتوقع ذلك.. اذهلتها المفاجأة إنه لم ينس.!!
هو ارتبك قليلاً من حضورها غير المتوقع، بعد كل تلك السنين، لقد ظن بأنها قد أذابت ذكرياتهما.
قدم لها كأساً من الماء، اغترفه من حاوية الفلين:
ـ آسف الثلاجة لا تعمل.. الماء ليس بارداً..
عندما اخذت الماء، عمد هو الى فتح ظلفة الشباك قائلاً:
ـ الجو حار المروحة لا تعمل.
هي انتهت من شرب الماء، وظلت عيناها المغضيتان تتفحصان المحتويات بلا حماس، لاختناقها برغبة البكاء.
هو استطرد ليوضح الأمر كلياً:
ـ الحقيقة خط الكهرباء مقطوع من العمود الرئيس منذ زمن، لم أشأ طلب ايصاله لعدم الضرورة، لعطل الثلاجة.. والطباخ.. ومبردة الهواء.. والتلفزيون.. والغسالة.. والراديو.. وحتى الفانوس بحاجة الى فتيلة.!
كل شيا عاطل.. إنها قشور وهياكل، اشتريتها منذ البداية.. كنت افكر سابقاً باصلاحها، واحدة بعد الاخرى، لكنني شغلت بأمر الشظية.
صمت قليلاً، فبدت له وهي تحدق في بلاط الغرفة، إنها بانتظار اكمال الحديث.
ـ الشظية دمرت منطقة واسعة، بسببها رفعوا البروستاتا من جسدي.. ومنذ ذلك الحين لم اجد في نفسي رغبة لإصلاح أي شيء.
ردت المرأة بصوت محتقن وهي تبذل قصارى جهدها، لتبدو على رباطة جأش:
ـ إنه شيء فظيع!!، لقد جربت العمليات ومآسيها، لم اصدق في البداية أن الاشعاعات التي تسببه القنابل تصيب الناس بالامراض.. لكني تيقنت عندما اصابتني.. وفي المستشفى رفعوا مني الرحم.
*** *****
اثناء ماكانا يسيران باتجاه الباب الخارجي، مرت في ذهنها شروط الزواج، التي وضعتها هي والمتصلة بتأثيث عش الزوجية.. ثم تذكرت التنائي بينهما لعدم وفائه بها.
استلها من ذكرياتها متسائلاً:
ـ أي يوم هذا من الأيام؟
قالت:
ـ إنه يوم عطلة.
قال بتوكيد:
ـ إذن ما زالت العطلة مستمرة.