قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

لماذا التدبر في القرآن الكريم؟
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *زهراء علي الصويمل
إن التدبر في القرآن هو الطريق للاستفادة من آياته والتأثر بها، لأن القراءة الميتة للقرآن لا تعني أكثر من كلمات يرددها اللسان صباحاً و مساءً دون أن تؤثر في واقع الفرد التأثير المطلوب لتغيير مجرى حياته أو الرقي به إلى أعلى المدارج أما التلاوة الواعية فهي تتجاوز اللسان لكي تنفذ إلى القلب فتهزه وتؤثر فيه.
مما يزيد ويضفي على قلبه الحكمة والحجة ويضيء عقله بنورها فيتضح أمامه الطريق، لقد كان أولياء الله العارفون يتلون القرآن حق تلاوته وبوعي تام.. فكانت تقشعر جلودهم وترتجف قلوبهم حيث يقرأون آية بل ربما يصعقون لعظم وقع الآية في نفوسهم.
لقد تلا الإمام الصادق آية في صلاته ورددها عدة مرات فصعق صعقة، ووقع مغشياً عليه، ولما أفاق سُئل عن ذلك، فقال: لقد كررتها حتى كأني سمعتها من المتكلم بها، فلم يثبت لها جسمي لمعاينة قدرته.. وكانت الآية قوله تعالى: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ".
إن التدبر لحظات في القرآن الكريم يُعد منعطفاً تغييريا كبيراً في حياة الكثيرين، لان التدبر في القرآن هو الطريق لفهم قيم القرآن و أفكاره و مبادئه، كما انزلها الله سبحانه.
وهنالك خيارات صعبة وعديدة تطرح كل يوم أمام الفرد والأمة، ولاختيار الطريق السليم بين هذه الخيارات لابد من الرجوع الى جوهر القرآن والتدبر فيه ومن هنا يقول سبحانه: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ" (سورة الإسراء/ 9)، فهو الفرقان الذي يفصل بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال لمن يفهم آياته، ويتدبر فيها، فالقرآن بحر عميق لايُدرك غوره ولا تفنى عجائبه وهو مكون من كلمات مترابطة كالبناء المكون من لبنات متراصفة، ولفهم هذا القرآن لابد من أن تكون الخطوة الأولى هي: التدبر في كلماته.
لكن مع الأسف.. البعض ممن يقرؤون القرآن الكريم لا يقومون بهذه المهمة ولذالك فهم إما لا يفهمون معاني الكلمات. أو يفهمونها بشكل مغلوط. أو بشكل باهت لا يعكس المدلول الدقيق للكلمات.
* شروط التدبر في القرآن*
لابد أن يكون التدبر مثمراً ومفيداً ولكي يكون متكاملاً وسليماً، ان تتوفر فيه مجموعة من الشروط في من يتدبر القرآن الكريم كالملاحظة العلمية الدقيقة.
ان التقدم العلمي الحديث يرجع قسطا منه إلى روح البحث وقوة الملاحظة التي تتوفر لدى الباحث أو العالم نفسه فربما كان الرجل القديم يمر على عدة ظواهر طبيعية كثيرة دون إن يفكر فيها ليكتشف القوانين الكامنة ورائها.. بل كان يمر عليها مرور الكرام كأن شيء لم يكن، بينما الإنسان في العصور المتقدمة أصبحت لديه روح البحث العلمي والاجتهاد. فبدأ يحقق في كل شيء في هذا الكون، وتوصل من خلال ذلك إلى اكتشافات هائلة، و المتدبر في القرآن الكريم لابد أن تتوفر فيه قوة الملاحظة العلمية حتى يستخلص الفوائد المثمرة وذلك بأن يطرح عدة تساؤلات مختلفة على نفسه حول مختلف الظواهر القرآنية: لماذا جاءت الكلمة هنا بشكل وجاءت في مكان ثان بشكل آخر. ولماذا تقدمت تلك الكلمة على تلك؟
ولكن ذلك لا يكفي، إذ يجب أن يعقب الملاحظة العلمية عدة شروط: كالتروي والأناة وعدم التسرع في تقبل الأفكار، التتلمذ على يد القرآن، والرجوع إلى المصادر والثقة بالنفس والإبداع من خلال هذا الدستور الإلهي.
*التفكّر فريضة قرآنية*
يحثّ الإسلام على التفكّر ولكنه يطلب منه أن لا يهتم بأموره الشخصية والعائلية فحسب ولا يطلب الاهتمام و إشغال الذهن بمسائل الآخرة فقط، بل يطالبه بالتحرر من نطاق الذاتية ليشمل تفكيره المجتمع والأمة، بل العالم البشري بأسره، وكما يهتم لآخرته يهتم لدنياه أيضاً، فلا ينشغل بالعبادات والروحانيات عن القضايا السياسية والاجتماعية، فيضرب في الآفاق البعيدة تماماً.
وهناك العديد من النصوص الإسلامية التي تطلب من المؤمنين مباشرة التفكر والسياحة في الأرض طلباً للعبرة والتدبر واستخلاص عبر التاريخ من سيرة الأمم السابقة فالله سبحانه وتعالى يقول: "كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ" (سورة البقرة /219)، القضية إذن في الدنيا والآخرة تتعلق بـ (تَتَفَكَّرُونَ) أي أن تفكيرهم لايقتصر على الأمور الأخروية، وإنما حتى في الأمور الدنيوية، ومن يفهم الأخرة ومتطلباتها لا شك يفهم الدنيا، وكيف يتصرف فيها، فليست الدنيا والآخرة منفصلتين وإنما هما وحدة واحدة توجد عتبة في مقدمتها، يعني بعد إن تجتاز جزءاً من مقدمتها عليك أن تخطو عتبة أخرى هي الموت لكي تستقبل الساحة برحابتها، وهنا يأمر ربنا سبحانه وتعالى بالبحث العلمي سعياً وتحصيلاً وينهى عن الجلوس في الأبراج العاجية والتفكر من الأعلى،
بماذا جرى..؟ وكيف جرى..؟ وإنما إذا أردنا أن نفهم حقيقة ما يجري وكيف ذلك فعلينا التحرك في آفاق الأرض، وفق الخطط المدروسة والمستوحاة من نبع القرآن الكريم.