قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
صورة من حياة نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله)
يحبس نفسه لأنه لا يملك ما يردّ دينه ليهودي !
إن في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة المنورة، صوراً ومشاهد مشرقة من الأخلاق والخصال الانسانية والكريمة التي تصلح كل واحدة منها لأن تكون درساً للأجيال والحضارة الانسانية. من هذه الصور ما ذكره المحدث الكبير الشيخ عباس القمّي (طاب ثراه) في كتابه (كحل البصر في سيرة سيد البشر) حيث جاء في الرواية.
كان ليهودي مال على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فتقاضاه.
فقال له: يا يهودي؛ ما عندي ما أعطيك.
فقال: فاني لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني!
فقال صلى الله عليه وآله: إذاً أُحبس معك!
فجلس صلى الله عليه وآله معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخر والغداة، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يتهددونه ويتواعدونه.
فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إليهم وقال: ما الذي تصنعون به؟!
فقالوا: يا رسول الله؛ أ يحبسك يهودي ؟!
فقال: لم يبعثن ربي عز وجل بان أظلم معاهدا ولا غيره.
فلما علا النهار قال اليهودي: اشهد ان لا إله إلا الله، واشهد أن محمداً عبده ورسوله. (1)
قد يستغرب البعض حينما يجد رسول الله صلى الله عليه وآله على عظمته، وهو صاحب الرسالة الإلهية، والسلطة الدنيوية، وبالذات على تلك البقعة المباركة التي كان هو فيها، وإذا به يظهر إمام الناس مديونا لشخص يهودي دون ان يملك شيئا يقضي به دينه، والأعجب من ذلك، لما بادره اليهودي بالقول: لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني، ولم تظهر من رسول الله صلى الله عليه وآله أية علامة غضب او استنكار، بل أجابه بكل هدوء وسكينة: إذاً أُحبس معك. فجلس بكل رضاً ينتظر ان يقضي الله أمرا كان مفعولا، دون ان يسمح لأصحابه ان يمسوا ذلك اليهودي الغريم بسوء أبداً.
ولابد من القول بان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن فقيرا مدقعا لا يملك شيئا طيلة مسيرته، بل كانت الأموال تأتيه من كل حدب وصوب. غير انه لم يدخر منها شيئا لنفسه، وانما كان ينفقها على المسلمين لتشييد كيانهم الرسالي.
وبهذا الأداء والموقف أزاح رسول الله صلى الله عليه وآله، حجب الجاهلية عن البصائر حتى لا يتعامل المسلمون من بعده في حياتهم من خلال منطق المادة وحسب، إنما يكون الهدف والغاية هو خدمة الناس و نشر الخير والمحبة والسعادة الى الجميع، ونبذ الاستئثار والانانية.
هنا لنا أن نتساءل: هل نحن الذين نحمل العنوان الكبير والعريض (المسلمين) نحمل في الوقت نفسه ومضات من صفات وخصال نبي الاسلام؟ أم انه انتماء تحت اسم وشعار وحسب؟! حيث نجد اليوم الكثير ممن يرفعون الشعارات الكبيرة التي تحمل مفاهيم انسانية مثل الحرية والبناء والتقدم والرفاهية، إلا ان الذي ينفع الانسان هو العمل والتطبيق الملموس على الارض، وهو ما كان يفعله رسول الله بتطبيقه لما يأمر ويوصي به الناس، والحقيقة اذا وصلنا الى هكذا يوم، يجب أن نشعر بالسعادة والاطمئنان ولن نكون بحاجة الى جهود سياسية وحزبية ودعائية وأموال ننفقها لنثبت مصداقيتنا أمام الناس.
---------------
------------------------------------------------------------
---------------
------------------------------------------------------------