قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

حتى لا نكون ممن "في قلوبهم مرض"
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة * اعداد / كريم محمد
لعلّ أهمّ ما يلفت انتباه المتمعّن في آيات الذكر الحكيم التي تتصف بالحسم والحزم الاشارة الى "الذين في قلوبهم مرض"، فقد ورد الحسم في أمرهم واليأس من استقامتهم، فلم يترك المولى سبحانه وتعالى للباحث في أمرهم ذرّة من الشّكّ والتردّد. هذه السمة الظاهرة في بعض الافراد والخصلة المتأصلة فيهم، تجعلهم في تصنيف خاص من قبل الكتاب المجيد، فحسابهم يختلف عن (الكافرين) وايضاً (المنافقين)، بل ان القرآن الكريم ترك بصيص أمل للمنافقين في قوله تعالى: "ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم". بينما مرض القلب مسألة تتعلق بجوهر نفس الانسان ومكنوناته التي من الصعب تغييرها لتظافر عوامل ساعد على وجودها الانسان نفسه. "وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ" (التوبة /125)، وهكذا حسم القرآن الكريم أمرهم بألفاظ صريحة، معانيها مقصودة واضحة لا يشكّ فيها أولو الألباب. ويكفي أنّه يقول عنهم إنّهم أهل رجس وازدادوا رجسا إلى رجسهم وماتوا على الكفر.
من هم. ...؟!
لمعرفة هوية من هم "في قلوبهم مرض"، لابد بداية معرفة ان أحد عشر مرة وردت هذه الوصمة السيئة والمذمومة في القرآن الكريم و في سور كريمة نزلت في المدينة المنورة وليس في مكة، بمعنى انها تشير الى فئة شاذة في المجتمع الاسلامي الأول الذي أرسى دعائمه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، كما كان هذا المجتمع ومنذ الساعات الاولى لدخول النبي المدينة التي كانت سابقاً (يثرب) يعاني من وجود المنافقين، وبقيت هذه الشريحة تحمل هذه السمة حتى يومنا الحاضر.
1- في (سورة التوبة) يحدثنا القرآن الكريم عن احدى حالات مرض القلب وكيف يكون في الانسان الذي يظهر اسلامه في وسط المجتمع الاسلامي؛ "وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ" (التوبة / 124-125). هذا القلب يعبر عنه المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي في تفسيره (من هدى القرآن) بالجهاز المنبه المصاب بالعطب فهو لا يعطي اشارات ايجابية للانسان إزاء تطورات وظواهر ايجابية في المجتمع، فهو كالمرآة لا تعكس إلا ما هي عليه، فان كانت شفافة نقلت الشفافية وإن كانت ملوثة وضبابية فانها تعكس ذلك دون شك. ويضيف سماحته بان صاحب القلب السليم يستفيد من الظواهر التي تحيط به، بينما صاحب القلب السقيم والمريض سيزاداد مرضاً وسوءاً لانه يجد انه في موقع الادانة على حالته السلبية المذمومة.
2- هنالك فئة من الناس يبحثون عن الربح السريع والنصر الظاهري ويخشون الخسارة في المادة والجاه والسمعة، ويجدون الاصطفاف مع المؤمنين والرساليين وأهل القيم والاخلاق والدين خسارة وضعة، بينما يكتسبون القوة من آخرين متجاهلين الثمن الباهض الذي عليهم تسديده. والقرآن الكريم يصف هؤلاء وبشكل واضح بمريضي القلب؛ "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ" (المائدة /52)، فهؤلاء اتخذوا اليهود والنصارى أولياء وهو ما حذرت منه الآية الكريمة السابقة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".
3- بالرغم من الانتصارات التي يحققها المؤمنون في سوح المواجهة سواءً الثقافية منها او السياسية، فان فئة من ضعاف النفوس او من الذين "ران على قلوبهم" يحاولون زعزعة الثقة في النفوس وتحجيم النصر في عيون الناس، تقول الآية الكريمة: "إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (الأنفال /49). ففي الآيات السابقة هنالك تنبيه الى العاقبة السيئة التي تنتظر الكفار والخارجين على الدين عندما يشنون هجومهم على الاسلام، " وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ".
من هنا علينا الانتباه اكثر الى سلامة القلب والسريرة، فان العطب والخلل فيها غير قابل للاصلاح، وإن كان فانه امر صعب وعسير على الانسان، فما يدفع هذا الانسان الى تحمل مشاق التغيير او عواقب مرض القلب وسقمه إن كان قادراً على صونه من الامراض من خلال التوكل على الله تعالى كما تدعونا الآية الكريمة، فان اول دوافع وسبب لمرض القلب هو الابتعاد عن الله تعالى وعن تعاليم الدين الحنيف الذي يزيل الرين والصدأ عن القلب ويبقي على نقاءه وصفاه ليكون دائم الاستعداد لتقبل الخير والحق والفضيلة.