قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
نفحات من (سورة الماعون)
الإنفاق مقياس التصديق بالدين
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *حسين الخشيمي
يسعى الإنسان جاهدا إلى تحسين صورته و(تلميع) شخصيته أمام الآخرين من خلال الاهتمام بالظاهر، أو التباهي بالغنى أو حتى بالزهد لخداع الآخرين بكثرة التعبد والتذلل لله، وربما يفعل العكس، لكن مهما حاول الإنسان أن يخفي عمله الصالح أو الطالح أو أي شيء أخر، فأنه لا مفر من تجليه أمام الآخرين والسبب في ذلك إن للإنسان شخصيتين :
الأولى ظاهرية، والثانية باطنية وهي الجوهر تضم معدنه الأصلي.. والأولى هي التي تطغى وتظهر على الإنسان في نهاية المطاف، فإذا أراد احدهم أن يتظاهر بالتدين فلابد من أن ينتهي عرضه التمثيلي في يوم ما، سواء كان ذلك بإرادته أو من خلال فلتات لسانه وتقاسيم وجهه .
وطالما يخفي علينا نحن البشر ما يضمره الآخرون، ونبقى عاجزين عن معرفة حقيقتهم وخصوصا في قضايا الإيمان بالله وسائر الأمور العقائدية التي هي ما بين الإنسان وربه، ومهما حاولنا فهم ولو شيء بسيط مما يدور في نفوسهم لن نعرف إلا ما هو ظاهر عليها.
وفي (سورة الماعون) يحدثنا الرب عن شخصية ترائي بالإيمان والتسليم لله إلا إن واقعها غير ذلك، ويفصل الله عز وجل في آيات السورة المباركة مجموعة من الصفات التي تبين لنا نحن البشر حقيقة هذه الشخصية لكي نعرفها أولا، ثم لنجنب أنفسنا هذه الصفات ثانياً، حتى لا نبتلى بهذه الصفات، وهذه نعمة من نعم الرب علينا أن انزل علينا القرآن لينير دربنا ويفرق لنا بين الحق والباطل .
"أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ"
يبدأ القرآن الكريم بالسؤال: "أَرَأَيْتَ"! وذلك واضحا من ألف الاستفهام، ولكن هل يخفى على الله شيء؟! أوليس الله بعلام الغيوب؟ إذن لماذا السؤال يارب ؟
عندما يسأل شخصٌ يجهل امراً معيناً، فسرعان ما يغوص في خزين علمه وعقله لمعرفة الإجابة عن السؤال المطروح، فأن وجد الإجابة أجاب، وان لم يجده راح يبحث ويبحث حتى يجد الإجابة عن ذلك السؤال، وهذه الطريقة يستخدمها الله عز وجل في كتابه الحكيم لإثارة عقولنا والغوص فيها، من اجل تفعيل دور العقل الذي يغيبه الإنسان في بعض الاحيان، وهذا هو هدف القرآن الكريم أن يثير دفائن العقول، ولنعرف إن الأمر الذي تتناوله آيات (سورة الماعون) في غاية الأهمية فمن هذا الذي ينكر رسالات الله الصادقة وكلما جاءت به من تشريعات ومفاهيم؟ والاهم من ذلك كله، هل هناك من يصرح ويقول أنا مكذب بالدين؟! كلا... بل يصر على انه أول المصدقين والعاملين بأحكامه والداعين إليها، إذن كيف نعرفه يارب ؟
"فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ"
هذه هي الصفة الأولى التي يعرف بها هذه الشخصية، فبقدر ما هو يرائي أمام الناس بالإنفاق من خلال القول؛ إلا انه في الواقع والعمل، بعيد تمام البعد عنه، بل يذهب إلى دفع وإيذاء ذلك اليتيم الذي طالما أوصى به الله ورسوله وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام بأداء حقوقه كاملة وبالمعاملة الطيبة والحسنة لهذا اليتيم الذي فقد حنان الأبوين في سن مبكرة فيقول ربنا عز وجل: "فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ" ( الضحى /9) وفي آية أخرى "وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا" (الاسراء/24) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خير بيوتكم بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيوتكم بيت يساء إليه)، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: (ظلم اليتامى و الأيامى ينزل النقم و يسلب النعم أهلها).
ومن هنا يظهر لنا إن من دعّ أو دفع وعنّف يتيماً كان من المكذبين بيوم الدين ومن كذب بيوم الدين كذب بكل ما جاء به الدين، وبكلمة؛ رعاية اليتيم هي مظهر من مظاهر الإنفاق في سبيل الله التي أمر بها وحثّ عليها الدين الإسلامي .
"وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ"
ومن صفات هذه الشخصية النفاقية أيضاً عدم (الحضّ) أو الحثّ على العطاء وإطعام الآخرين، والإطعام والحث عليه وهو من مظاهر الإنفاق الذي يأمرنا الإسلام به فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما سئل عن أفضل الأعمال قال: (إطعام الطعام، وإطياب الكلام). فعندما يحث الإنسان الآخرين على عدم إطعام الطعام والإنفاق، يصبح من المكذبين بالدين ويظهر من دعوته هذه على انه صاحب مشروع يسعى إلى إشراك الآخرين به وهو التكذيب بيوم الدين .
"فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ"
أو لم يعد الله المصلين بالدرجات العلى من الأجر وبجنات عرضها السموات والأرض ؟ وقد قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" ( البقرة / 277). والآيات القرآنية مترابطة، ويفسر بعضها الآخر، وهذه من الأمور التي جعلها الله تعالى من اجل بيان كتابه لعامة الناس، وعندما نقرأ "فويل للمصلين" مع علمنا ما للمصلين من منزلة عظيمة عند الله؛ نعرف إن هناك فئة من المصلين قد استحقوا الويل والغضب من الرب، لكن من هم هؤلاء ؟
"الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُون"
الذين غفلوا عن صلاتهم ونسوها، وتناسوها في خلواتهم، وراؤا بها أمام الآخرين، فتجدهم في التجمعات والمجالس أول المقيمين للصلاة إذا نودي لها، ومن التاركين لها إذا لم يشاهدهم احد، هؤلاء هم المكذبين بيوم الدين، الذين اظهروا إقامة الصلاة أمام الناس، كالمنافقين الذين يراؤن هم أيضا بالصلاة .
"الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ"
يراءون الناس بالصلاة و يخادعون الله حيث يقول ربنا عز وجل { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} ((النساء 142)) وكيف لايكونوا من المنافقين وهم المكذبون والكذب احد صفاتهم ثم ماذا يارب ؟ يقول ربنا :
"وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُون"
يرفضون مدّ يد العون والمساعدة للآخرين، ابتداءً من اليتيم ومروراً بالمسكين وانتماءً بسائر من يحتاج للمساعدة والعون من الناس.
وخلاصة القول؛ إن الإنسان إذا امتنع عن الإنفاق في سيبل الله فقد كذب بيوم الدين، وبالتالي أنكر كل الدين لأنه كل لا يتجزأ، ومن خلال هذه الصفات يمكننا أن نعرض أنفسنا على آيات (سورة الماعون) لنعرف إن كنا من المكذبين والعياذ بالله و برسالات الله أم لا .