قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الولاية الألهية.. والخير في الثمرات
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *طاهر القزويني
كما إن لكل شيء قانون، ولابد لنا أن نتعرف على كل قانون في الوقت اللازم، حتى لا نتجاوزه أو نصطدم به فجأة، فان جني الثمار على صعيد الحقول والزارع له قانونه الذي وضعه الله سبحانه وتعالى، وبما ان العراق بلد زراعي بالطبيعة، وغني بالاراضي الخصبة والمعطاءة، فان من الأهمية بمكان التعرف على قانون الله في الثمار حتى يعرف أهل هذا البلد متى يصيبون الخير ومتى يجب أن يتجنبوا فقدان الثمار والخسران.
في سورة الكهف يعرض الله سبحانه وتعالى قصة رجلين أحدهما مؤمن وآخر مشرك، أما المؤمن فقد كان أقل ولداً وأقل زرعاً، لكنه كان شاكراً لله على نعمه، لكنه لما دخل مزرعة صاحبه المشرك وجدها أكبر وأكثر زرعاً، فتفاخر عليه المشرك وقال له: "أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفرا"، وكان يقول إن هذه لن تبيد أبداً! أما الثاني المؤمن فإنه لم ينزعج لأن المشرك كان أكثر منه مالاً وولداً، بل كان قوي الإيمان والإرادة، وراح ينصحه، "قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا".
ربما كان هذا المؤمن يعرف جيداً قانون الله في الثمار ويعرف أيضاً الذكر الذي يزيد في الثمار وهو (ما شاء الله لاقوة إلا بالله)، ونتيجة لمعرفته بهذا القانون استغرب الزيادة التي تحصل لهذا المشرك في زراعته وثمره.. لكنه تنبأ وقال: "وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا* فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا* أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا" (الكهف،39-41).
المؤمن توقع لجاره المشرك أن ينزل عليه غضب الله، ولذا سارع في نصيحته قبل وقوع المحذور لكن المشرك لم يقتنع بالنصيحة، وكانت لديه تصورات مادية تتعلق بقوة الطبيعة فهو كان يظن ويؤمن بقوانين طبيعية ومادية مبتدعة مثل (خلود المادة) فقال: "ما أظنّ أن تبيد هذه أبداً"، وهو يصف مزرعته والثمار التي فيها.
التحليل الذي قد يعده المشرك علمياً حول خلود المادة وقوانينها، نجد أنه أصبح وهماً من خلال القصة الواقعية للحياة، ذلك أنه نهض صباحاً فوجدها خاوية "وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا" (الكهف/ 42) لكن النتيجة تعرضها الآيات الأخريات التي تلي هذه القصة.. "فهنالك الولاية لله الحق هو خيرٌ ثواباً وخيرُ عقباً" فهذه الآية العظيمة تبيين خلاصة القصة التي ذكرناها والأفكار التي يجب أن نستخلصها من تلك القصة وهي: إن جميع القوانين العلمية والطبيعية خاضعة لقانون ولاية الله، فالقانون الإلهي هو المتحكم والمسيطر على القوانين الطبيعية كافة، وحتى قانون الثواب والعقاب الذي يسري بين الخلق من دون أن يشعروا به هو أيضاً يتبع القانون الإلهي.
ونعود إلى موضوعنا حول الثمار، ونقول أن حالها لايختلف كثيراً عن حالة بقية الأمور فهي أيضاً تخضع لقانون رئيس هو (الولاية الإلهية) وقوانين فرعية كالثواب والعقاب، فالإنسان المؤمن الذي يدخل مزرعته ويقول (ماشاء الله لاقوة إلا بالله) هو يتبع قانون الولاية الالهية ويستحق جزاء إتباعه لهذا القانون الخير الكثير.
أما الرجل الآخر الذي يخترق هذا القانون، ويخالف الولاية الإلهية فإنه بلاشك سيندم إن عاجلاً أو آجلاً لأن الثمر الذي سيجنيه لن يكون ثمراً يانعاً ولامفيداً بل سيكون وبالاً عليه في الدنيا والآخرة.
وهناك شروط لصحة الدخول في ولاية الله ومن أهم هذه الشروط: الشكر على الثمار والخيرات والبركات التي يمنحنا إياها، "وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ* وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ* لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ" (يــس/ 33-35). وبالإضافة إلى الشكر يجب اعطاء الحقوق المتوجبة على هذه الثمار "وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ". (الأنعام/ 141).
ولابد أن نعرف أن وفرة الثمار، والخير والبركة في أي بلد هي جزء من الحياة الاجتماعية والإنسانية فهي متعلقة بنمط الحياة التي تعيشه تلك الأمة، ومتأثرة بالأجواء السياسية بل حتى الأمنية منها لأننا نجد أن إبراهيم عليه السلام حينما دعا الله عزوجل أن ينزل بركته ونعمته على أهله الذين نزلوا مكة ربط بين قضية الأمن والثمرات "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" (البقرة/ 126) وقد استجاب الله عزوجل دعاء ابراهيم، حيث أصبحت مكة هي المنطقة الأكثر أمناً في العالم ليس للإنسان فقط بل للحيوان ايضاً، وأما بالنسبة إلى الثمار حيث أن أرضها كانت صحراوية ولاتصلح للزراعة فقد جعل الله رزقها والثمرات تأتي إليها من كل مكان "أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" (القصص/ 57).
فلابد أن يتوفر الأمن أولاً حتى يتمكن المزارعون من الزراعة وزيادة الثمار حتى ينعم البلد بالخير والرفاهية وعندما نربط بين القضيتين: الأمن والوفرة في الخير، نجد أنفسنا أمام القانون الرئيسي الذي تحدثنا عنه أول الأمر وهو (الولاية الالهية) فابراهيم عليه السلام في هذه الآيات التي أوردناها نجد أنه يطلب من رب العزة أن يستخدم هذا القانون لتحقيق الأمن والرفاهية لأهل مكة فإنه يدعو الباري: "رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات".
إذن.. متى ما دخلت البلدان في حياض الولاية الإلهية عند ذلك ستنعم بالأمن والرفاهية وزيادة الخيرات والبركات، أما إذا خرجت عن هذه الدائرة فماذا سيكون مصيرها؟ القرآن يجيبنا ويحدثنا عن حال آل فرعون الذين طغوا "وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ" (الأعراف/ 130) وهذا يشمل حال المسلمين إذ يقول "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ" (البقرة/ 155).