قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

القرآن الكريم .. التحدي الدائم
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *صادق محمد
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَآءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَاِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوْا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ اُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ((33)
لماذا لم يستطع عرب الجاهلية، وهم في قمة الأدب والفصاحة والبلاغة، أن يقبلوا تحدي القرآن الكريم فيأتوا ولو بسورة تضاهي سوره، علماً أن في كتاب الله سوراً قصيرةً قد لا يزيد بعضها على سطر واحد فقط؟! فما هو سرّ الإعجاز القرآني؟ وما هو سر التحدي الذي أعلنه نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) للبشرية عبر العصور جميعاً؟!
إن السر وراء ذلك يكمن في الحقائق التالية:
اولاً: إن القرآن الكريم كتاب علم ومعرفة. فالقرآن لا يقول إلاّ حقاً، ولا يقول إلاّ صدقاً؛ فكل كلمة فيه صادقة و"لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" ((34)
فلم يرَ الناس حقيقية تأريخية سابقة أو لاحقة تكذب كتاب الله المجيد، وليس هناك قضية قرآنية واحدة من شأن الزمن أن يغيرها. فالحديث عن النجوم والطبيعة والإنسان والزمن وغير ذلك يؤكد علم القرآن وصدقه وحقانيته. ولا غرابة في ذلك أبداً، إذ الحديث هو حديث خالق النجوم والطبيعة والإنسان والزمن. وحديث الخالق حديث خلاّق، حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحول إلى حديث عتيق، فيستقر في مستودعات المتاحف كما كان ذلك مصير أحاديث البشر وكتبهم، فالقرآن الكريم يبقى بين الإنسانية، لا يحدثها بشيء إلاّ وصدّقته تجاربها، فانحنت إليه بالتسليم والتصديق.
وكان من الطبيعي ايضاً ان يعلو علم القرآن وكنوزه على جهل الجاهلية وفقرها، إذ (العلم نور والجهل ظلام)، ومن شأن النور أن يطرد الظلام، مما أدى الى انصياع الجاهليين لعلم القرآن وجهاد الرسول في غضون فترة زمنية قصيرة جداً.
ثانياً: أن القرآن الكريم كله حكمة فهو يمنح البشرية أُصول الحياة ولو أنها تمسكت بها لعاشت عيشة راضية في الدنيا، ولتمنّت القرب من الخالق الحكيم عز وجل. والحكمة قد تختص بالطعام والشراب، فتقول كلمة واحدة تحوي جميع أصول هذين الأمرين وهي: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا" وقد تأتي في إطار العلاقات الإجتماعية العامة، فتأمر الناس بنصها القائل: "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شنئانُ قَوْمٍ عَلَى اَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (35)، حيث توضح أن العدل هو صمام الأمان في طبيعة العلاقات بين أفراد الإنسانية جميعاً. وهكذا الأمر بالنسبة لسائر الحكم القرآنية الخاصة بتبيين أصول الحياة.
ثالثاً: أن كتاب الله عبارة عن نصوص بلاغية تفيض بالإعجاز والتحدي، حتى أن عنوانه واسمه آية في إعجاز التعبير. فإذا اراد كاتب خبير أن يعبّر - مثلاً- عن ضرورة شرعية وإجراء القصاص، فكم سيستغرق من وقت حتى يصل إلى نص قوله سبحانه وتعالى: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ" (36) بل إنّه من المستحيل أن يصل ابن آدم إلى هذا التعبير، وإن أي تعبير سيضعه قياساً بهذا التعبير القرآني سيكون فاشلاً سلفاً.
وهكذا كان علم القرآن وحكمته وبلاغته وتعبيره الدقيق، آيات إعجازه الأبدية المستحيلة على تصورات الإنسان البليدة.