قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
المقال الإفتتاحي
الصورة المعاصرة
محمد طاهر محمد
عندما ننظر الى قصيدة، ندرك كيف إن لغة الشاعر فيها تختلف عن لغة قصيدة أخرى لشاعر سبقه في العصر حتى وأن كانت تلك القصيدتان تحملان نفس الموضوع كما ندرك لأية فترة زمنية تعودان أو لفترة محددة تقترب قليلاً أو كثيراً من إيقاع أو نفس ذلك العصر ولكن رغم إداركنا لهذا الاختلاف بين القصيدتين إلا أننا سنكتشف أن هناك خيوطاً مشتركة قامت على نسج كلتا القصيدتين كونهما تحملان موضوعاً مشتركاً ونستطيع أن نقول إن كل ما يأتيه الشاعر في لغته وموضوعه وصوره هو إضفاء نوع من الابتكار لا أكثر. فعندما يريد الشاعر أن يكتب عن موضوعات رافقت حياة الانسان منذ أن وجد كالموت والحب والطبيعة فماذا يستطيع أن يضيف؟ إنه لا يستطيع أن يأتي بشيء جديد سوى ما يفرزه الذهن من صورة مبتكرة وهذه الصورة حتى وإن كانت جديدة وجميلة إلا أنها لا تستطيع أن تضفي على الموضوعات الشعرية القديمة شيئاً سوى ما تضيفه الى تجربة الشاعر شيئاً من المعاصرة (الحداثة).
ويظن الكثير من الشعراء أن من السهولة أن يأتي الشاعر بهذه المعاصرة (الحداثة) في إسلوبه أو في صوره أو في أفكاره وأنه يستطيع ذلك متى ما أراد وهذا ما أدى الى وقوع الكثير منهم في مغالطات فتصوروا أن الحداثة هي ما تفرزه المشاعر فقط بعيداً عن التجارب وهذه الحداثة – عندهم – هي غير خاضعة لأي نوع من المقارنات بين الموضوع والصورة اوالاسلوب الذي يكتبه الشاعر فكان نتيجة ذلك أن أحدثوا فجوات بين الصورة والموضوع.
إن ما نريد أن نوضحه أكثر هنا أن الصورة الشعرية المبتكرة لا بد أن تتصل بالموضوع وأن تحمل سماته وأن تكون هناك علاقة بينهما تحدد تعبير الشاعر وتحمل في طياتها انطباعاته نحو الموضوع لكننا مع الأسف نجد أن هذه الصفة لا يمتلكها الشعراء المعاصرون فهم قد أولعوا بالمفردات الحديثة معتقدين أنها هي التي تضفي على شعرهم صفة الحداثة، وليس هناك مانع يمنع استخدامها في الشعر ولكن بما يناسب موضوع الشاعر وليس بأن تأتي هذه المفردات متراكمة مبعثرة في صور مشوهة، فأي معنى يلمسه القارئ من ربط كلمتي: الشلال والبكتريا كما في أحد (نصوص) الشعراء المعاصرين إن مثل هذه الموضوعات التي بيناها مثل الطبيعة والموت وغيرها تستلزم اساليب جديدة للشاعر للخوض في غمارها لكي تولد صور شعرية جديدة والمثل الذي ذكرناه ليس إلا انحرافاً كبيراً في هذه الموضوعات.