قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الإعلام الحسيني بين الواقع و الطموح
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *الشيخ ياسر الصالح
يشع في كل عام نور الحسين(ع)... وتضئ قضيته الخالدة للدروب المعتمة.. وكأنها إشراقة الشمس في كل صباح، تزيح الظلام وتنشر الضياء، حاملة معها في كل عام مجموعة من المعاني و الكلمات و التي ارتبطت بها ارتباط النور بالشمس فلا تكاد تنفك عنها، ولا تبرحها إلا لتعود إليها، كالتضحية والوفاء والشجاعة والشهادة والبطولة والصدق و غيرها الكثير...
ان انتشار النور الحسيني اخذ أشكالاً متنوعة و طرقاً مختلفة في واقعنا الراهن، فإن كان المنبر والقصيدة في السابق أوسع وسائل نشر القضية الحسينية، فإن الفضاء الرحب اليوم راح يلهج بذكر الحسين(ع)، و وصل صوت ثورته الخالدة إلى كل بيت في كافة أرجاء المعمورة، فهو كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها
الإعلام الحسيني
ان ثورة عاشوراء، تعد بحق ثورة إعلامية ضخمة، أحدثت هزة كبيرة في ضمير الأمة الإسلامية منذ لحظة تفجرها وإلى يومنا الحاضر، فقد أرسل الحسين(ع) رسالة إلى كل البشرية مضمونها: الإصلاح على كافة الأصعدة. . و لم تنتهي تلك الثورة الإعلامية بمقتل الإمام الحسين(ع) فقد حملت من بعده أخته السيدة زينب(ع) هذه الراية لتخبر العالم كله بأن الحسين قد قُتل مظلوماً وهو ينادي بالإصلاح. . وهكذا فإن القضية الإعلامية هي أهم المفردات التي تتجلى في هذه المناسبة والواجب يحتم علينا العمل لنشر القضية بكل الوسائل الإعلامية الممكنة، وخاصة الحديثة منها، ولا ننسى (ان يكون هذا الاعلام منسجماً مع المبدأ.. ويجب أن نثبت صمودنا في الإعلام الحسيني، وأن يكون إعلامنا بمستوى الرسالة التي نحملها ليكون إعلاماً حسينيا بمعنى الكلمة... كما يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي) (دام ظله).
توصيف الواقع الراهن
إعلامنا الإسلامي - فضلاً عن الإعلام العربي- مازال ضعيفاً دون المستوى المطلوب. (للأسف لا يزال الإعلام الإسلامي غائباً، ولازال المسلمون يفتقدون إلى الوسائل الإعلامية الكافية والفاعلة و التي تتناسب ومتطلبات العصر) كما يقول سماحة الشيخ عبد الله ابراهيم الصالح في دراسته (الإعلام الإسلامي رؤية قرآنية).
ولغة الأرقام تقودنا إلى حقائق مذهلة ومرة، فمن بين الكم الهائل من القنوات تشكل قنواتنا الشيعية ما نسبته اقل من 2.2 % فقط، في حين أن عدد القنوات المتخصصة في الغناء والرقص والناطقة باللغة العربية يبلغ 58 قناة، أما الرياضية فهي 35 قناة، و هنالك 26 قناة متخصصة في الرسائل النصية القصيرة SMS، و في دراسة عجيبة أجراها أحد مراكز الأبحاث حول المحتوى الثقافي للقنوات العربية، حيث أجري البحث على خمسة من كبار القنوات العربية، فكانت النتائج أن هنالك ما نسبته 1% فقط محتوى ثقافي. . يقول الكاتب فهمي هويدي: (لقد عجزنا بالرغم من كل ما يتوفر لدينا من إمكانيات إعلامية عن نشر روح الإسلام في الداخل فضلاً عن الخارج).
إذن، فواقعنا دون الطموح الذي ننشده، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم الرسالة السماوية التي جاء بها النبي الأكرم (ص)، و بلغها من بعده الأئمة الأطهار، فثقل المسؤولية على عاتق العاملين في الفضائيات الدينية والعاملين في الإعلام الحسيني يزداد يوماً بعد يوم، خاصة مع الكم الهائل من القنوات المنافسة و التي تبث كل أنواع اللهو والتضليل والتسطيح، و تعمل بإمكانات هائلة لتغيير الأفكار، وإعادة صياغة شخصية الإنسان وفق أجندات بعيدة كل البعد عن روح الأديان السماوية، بل حتى عن الفطرة الانسانية السويّة.
لكن هذا لا يعني خلو الساحة من النقاط المضيئة، والمحاولات الجادة هنا وهناك، لكن كل هذا لا يكاد يمثل نقطة في بحر، وتبقى محاولات يتيمة دون حجم الرسالة الحسينية، والتي يجب أن تكون عالمية، ونحن من خلال هذا البحث نحاول أن نساهم في الارتقاء بهذا الواقع نحو مستقبل مشرق، حاملين جميعاً هذه المسؤولية الكبيرة، فلو تقاعسنا اليوم في أداءها، فإن النتائج ستكون وخيمة علينا وعلى أبناءنا، وحيث أن أجدادنا لم يقصروا في إيصال صوت الحسين(ع) لنا بمختلف الوسائل الممكنة في عصورهم، وتحملوا شتى أنواع المشاق من القتل والتشريد وغيرها، لكي تبقى راية الحسين(ع) خفاقة في سماء الحرية، و اليوم هذه الراية مرهونة بعمل أبناء الأمة للحفاظ عليها.
نحو إعلام حسيني متميز
بعد التأكيد على أهمية الإعلام الفضائي في هذا العصر الراهن، و انطلاقاً من الواقع الحالي لإعلامنا كان لابد لنا أن نقف وقفة جادة، يقف فيها كل العاملين والمثقفين لوضع النقاط على الحروف، والانطلاق بقوة نحو إعلام حسيني متميز حاملاً للرسالة الحسينية، وموصلاً للصوت الزينبي إلى كل أصقاع العالم.
إن التخطيط الاستراتيجي لأي عمل إعلامي يعتمد على مجموعة من الركائز والتي تسمى (ديناميكية العلاقات العامة) و التي تشكل البنية الصحيحة للانطلاق في بناء إعلام مبدع ومتميز، منها إنشاء مراكز دراسات متخصصة ترفد مراكزنا الإعلامية بالبحوث و التجارب، و التي تكون بمثابة حجر الأساس الذي يعتمد عليه العاملون في مجال الإعلام الحسيني. ولكي تكون الرسالة مؤثرة فلابد أن تلامس الواقع الاجتماعي بحيث يستشعرها الجمهور ويدرك أبعادها. كما يجب الاهتمام بالكيف والنوعية التي نريد إخراج الرسالة إلى الجمهور، فلابد أن نبحث عن أفكار جديدة بعيدة عن الجمود والسرد الممل، فالمشاهد لديه اليوم الكثير من البدائل ليتابعها لذلك لابد من التفكير الجاد في كيفية تقديم الفكر الحسيني إلى المتلقي في هذا الزمن، سواء عبر الفلم السينمائي، أو عبر الأفلام الوثائقية، أو البرامج التفاعلية، أو غيرها مع محاولة إشراك المشاهد وليس فقط تلقينه المعلومات.
الأطفال.. الغائبون في الإعلام الحسيني
ليس الأطفال بمنأى عن تأثير الإعلام الفضائي الايجابي منه والسلبي، ومع الأسف فان التأثير السلبي هو الغالب و الأرقام والدراسات تنذر بواقع خطير يحيط بالجيل الصاعد عبر غرس أفكار في لا شعور الأطفال وترسيخها بشكل كبير، وهدم عقائدي مبرمج ابتداء من عقيدة التوحيد ومروراً بباقي العقائد و الأخلاقيات. وعلى الرغم من أن الطفولة كانت حاضرة في كربلاء إلا أننا نراها اليوم - ومع الأسف- غائبة عن الإعلام الحسيني، لذا نحن بحاجة إلى إدراج برامج الأطفال ضمن خططنا للإعلام الحسيني، لنساهم في صناعة جيل جديد يتحلى بالثقافة الحسينية المطلوبة، و إلا فإن التيارات القادمة من كل حدب وصوب سوف تجرف عقول و أدمغة صغارنا دون أن نشعر بذلك.
وفي الختام... إن الحسين لم ينته و لا يمكن أن ينتهي وثورته ممتدة ونحن نجدد ذكرى كربلاء وعاشوراء كل عام بل كل يوم لأن الحسين يعيش بيننا، وندائه يملأ آذاننا، ودمه يجري في عروقنا، ولذلك فعلينا أن نهتم بالإعلام الحسيني من أجل ترسيخ المسيرة الإيمانية ونشر قيم الثورة الحسينية.