قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

حملة القرآن.. فخر الأمة وأعلامها
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *يونس الموسوي
في حقبة من حقب التاريخ العراقي كان بعض الناس يتمنى أن يحصل على درجة ضابط أو عريف أو رئيس عرفاء في الجيش العراقي، وذلك أنهم كانوا يقدرون هذه المناصب و يوقرون ويحترمون صاحبها، حتى كانت الفتيات يتمنين أن يتقدم لخطبتهن من يحمل رتبة عسكرية في الجيش.
ومع الفارق في التشبيه فأن الآخرة أيضاً لها درجات ومراتب، وفيها من يحظى بدرجات رفيعة وسامية وقد تشابه باللفظ المناصب الدنيوية والمراتب الأخروية إلاّ إن الفاصلة بينها يعلم الله وحده مقدارها ففي الدنيا هناك رئيس عرفاء وفي الآخرة هناك مرتبة العرفاء؟
فهل نعرف من هؤلاء العرفاء؟ وهل نعطيهم حقهم ومنزلتهم كما يستحقونها في الدنيا؟ وهل تتمنى الفتيات الزواج باحدهم كما كنّ يتمنين الزواج برئيس عرفاء في الجيش؟ وإذا كان الناس لايعرفون عرفاء الآخرة فكيف إذن سيقدرونهم ويجلونهم ويحترمونهم؟
عرفاء الآخرة هم حملة القرآن الكريم، حسبما بيّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال: (حملة القرآن عرفاء أهل الجنة)، (البحار/ ج92، ص177) بمعنى أنهم أصحاب العلم والمعرفة لأنهم حملوا في الدنيا أغلى شيء في الوجود وأعظم شيء في الميزان.
ومن أعطي القرآن الكريم وظن أن الله سبحانه وتعالى أعطى غيره أكثر مما أعطاه فقد غمط نعمة الله، ولم يعرف قدر القرآن وما استحق أن يطلق عليه من حملة القرآن، إذن فليس كل حافظ أو قارئ أو مدرّس للقرآن هو من حملة القرآن، فهناك من يقرء القرآن والقرآن يلعنه، وهناك من يعلم القرآن ولا ثواب له لأنه يأخذ الأجر على ذلك، وكان رسوله صلى الله عليه وآله يذم القراء الذين إختلفوا في قراءته ويقول (أكثر منافقي أمتي قراؤها). (البحار/ ج92، ص181).
فليس كل قارئ وليس كل حافظ وليس كل معلم للقرآن هو من حملته بل لابد أن يتمتع بعدة مواصفات من أهمها:
1- أن تظهر عليه علامات الخشوع:
فليس من المعقول أن يكون حامل القرآن رجلاً نزقاً شهوانياً صاحب لذة وأهواء، وتقوده نفسه إلى ما تحب وتهوى، بل لابد أن تظهر عليه علامات الخشوع لأنها تدل على مقدار تأثره بآيات القرآن الكريم وانقياد نفسه لها.
2- أن يكون من أهل العبادة:
من خلال القيام بالصلاة والصيام وفي السر والعلانية، بمعنى أن لايظهر ذلك للناس على سبيل الرياء، وإنما هو يفعل ذلك عن صفاء نية ونقاء سريرة، وأن يقوم الليل بالعبادة والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى.
3- البكاء من خشية الله:
فمن كان قلبه قاسياً لايصلح أن يكون حاملا للقرآن الكريم، لأن هذا الكتاب المقدس لايدخل في قلب صلد وصلب وقاسٍ من كثرة الذنوب والخطايا، ورقة القلب والتوجه إلى الله سبحانه بالدعاء والبكاء هو دليل على قبول التوجه وإتساع صدر الإنسان إلى آفاق القرآن الكريم ومفاهيمه السامية.
4- التخلق بالأخلاق الحسنة:
فحامل القرآن هو مختلف عن بقية الناس ويجب أن يكون القدوة في كل شيء ومن ذلك الأخلاق الحسنة ومن جملة ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله من المواصفات التي يجب أن يتسم بها حامل القرآن هي العفو وعدم الضغينة، وإذا قرأنا العبارة التي يذكرها الرسول الأكرم في هذا الشأن سنجد أنه يعطي تميزاً لحامل القرآن ويمنعه من أي يكون كأي واحد آخر من الناس في حبه وبغضه وغضبه ويقول (.. واعف عمّن ظلمك، ولا تحقد فيمن يحقد) وفي مكان آخر يقول النبي الأعظم (لا ينبغي لحامل القرآن أن يسفه فيمن يسفه أو يغضب فمن يغضب، أو يحقد فيمن يحقد ولكن يعفو ويصفح لفضل القرآن). (كنز العمال، خ2349).
5- أن لايتصف بالجهل:
فالجهل يمكن أن يكون معيباً لأي إنسان لكنه عيب كبير بالنسبة إلى حامل القرآن ولاسيما الجهل في أمور الدين، وأحكام الشريعة وذلك أنه قدوة للناس ويريدون أن يتعرفوا على آرائه ومواقفه في مختلف شؤون الحياة، وأن هؤلاء الناس يحترمونه ويقدرونه بسبب ما يحمله من القرآن الكريم فلابد أن يكون على إطلاع ومعرفة بما يحمله، فإذا كان على سبيل المثال حافظاً للقرآن أو قارئاً له فلابد أن يدعم ذلك بالأطلاع على تفسير القرآن وعلومه المختلفة.
6- أن يجعل القرآن أمامه:
لأن بعض الناس يجعلون القرآن الكريم خلف ظهورهم بمعنى أنهم يفسرونه حسب آرائهم ومصالحهم حتى يكون القرآن في خدمة مصالحهم وأهوائهم السياسية والاقتصادية، فأين ما يميلون يأخذون القرآن معهم ويفسرونه بحسب ما يشتهون، فهذه ليست صفة حامل القرآن حتى وإن كان من القراء أو الحفظة أو المفسرين له، لأن حامل القرآن يجعل الكتاب قائداً له ويجعل نفسه وأعضاءه وجوارحه كلها في خدمة هذا الكتاب المقدس وليس العكس.
ومما يظهر من أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة الميامين عليهم أفضل الصلاة والسلام أن حامل القرآن هو الذي يخدم في هذا الطريق عن طريق التعليم بالتفسير وبالتحفيظ وبالتلاوة وبالتدبر وبالتأويل وغير ذلك من علوم القرآن.
إلا إننا نعود مرة ثانية إلى مستوى النظرة الإجتماعية لهذه الفئة من الناس التي خصها الله سبحانه وتعالى بكثير من المزايا والمكارم ونتساءل ونقول" هل أعطى الناس من أمة آل محمد بعد ألف وأربع مائة عام من نزول القرآن هذه الفئة مكانتها الحقيقية؟
أستطيع القول أن فئة قليلة من الناس هم الذين يعرفون حقاً وحقيقة مكانة هذه الفئة المؤمنة التي حباها الله سبحانه بهذه الفضائل والكرامات ولابد أن نقرأ الروايات والأحاديث الواردة عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله التي تبين المكانة الحقيقية لهؤلاء الناس. فمن أحاديث النبي (ص) في فضل حملة القرآن:
1- (حملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله الملبسون نور الله عزوجل) – البحار، ج92، ص19.
2- (حملة القرآن عرفاء أهل الجنة، والمجاهدون قوادها، والرسل سادة أهل الجنة)- مستدرك الوسائل، ج3، ص242.
3- (أشراف أمتي حملة القرآن، وأصحاب الليل)- البحار، ج92، ص177.
4- (إقرؤوا القرآن واستظهروه، فإن الله تعالى لايعذب قلباً وعا القرآن)- البحار، ج92، ص19.
5- (من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت)- كنز العمال، خ2278.
هذه بعض المكارم والفضائل التي ذكرها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله لحامل لواء القرآن، وكل واحدة منها يستحق عليها حامل القرآن كمال التوقير والاحترام، وإذا عدنا إلى أنفسنا سنجد أننا مقصرون حقاً تجاه هذه الفئة التي كرمها الله سبحانه وتعالى بهذه المنزلة الرفيعة، ومهما فعلنا من تكريم هؤلاء فإننا سنبقى مقصرين تجاههم وأتساءل وأقول: هل نكرمهم إلى حد تكريمنا لزعماء الأمة وقادتها؟
بالطبع كلا، مع أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله اعتبرهم من أشراف الأمة بل هم في أعلى مقاماتها، ولكن للأسف فأن المسلمين اليوم يجهلون قدرهم.
ولابد أن نذكر انه وفي موقعين بيّن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وبشكل عملي مكانة حملة القرآن الكريم في الموقع الأول كان في غزوة أحد وذلك عندما أراد المسلمون دفن الشهداء فقال لهم الرسول (ص): (إنظروا أكثرهم جمعاً للقرآن فاجعلوه أمام صاحبه في القبر). كنزالعمال،خ29890.
وفي موقع آخر بعث النبي صلى الله عليه وآله وفداً إلى اليمن، فأمّر عليهم أميراً منهم وهو أصغرهم، فمكث أياماً لم يَسرِ.. فقال له رجل يا رسول الله أتؤمّره علينا وهو أصغرنا؟ فذكر النبي صلى الله عليه وآله قراءته القرآن (كنزالعمال، خ4021).
وبعد هذا كله يجب أن يفرح حملة القرآن بالمنزلة العظيمة التي كتبها الله عزوجل لهم، وهم لابد أن يستبشروا بكلام الله وكلمات رسوله بحقهم والجزاء الذي ينتظرهم في العالم الآخر، حيث أنهم سيتلقفون كل ما هو حسن من عالم الجنة.
ومن أجل هذا لابد أن نشجع أنفسنا وأبناءنا على سلوك هذا الطريق فأنه طريق الخير الذي لاشر بعده، لمن يريد الخير في الدنيا والآخرة، وإذا كانت تصورات الناس قاصرة بحق حملة القرآن الكريم، فإنه يمكن تغيير هذا الوضع من خلال الحديث عن هذا الموضوع والكتابة حوله، وبث هذه الثقافة بين الناس، حيث أن إحترام وتقدير حملة القرآن هو احترام وتقدير للقرآن نفسه.